🔍 المقدمة

يشكّل الإرشاد المهني أحد المحاور الجوهرية في دعم الأفراد خلال مسيرتهم المهنية، عبر مساعدتهم على فهم قدراتهم، تحديد أهدافهم، واتخاذ قرارات استراتيجية بشأن مستقبلهم المهني.
ولتحقيق هذا التوجيه بصورة منهجية، تعتمد برامج الإرشاد على نظريات علمية متنوعة، توفّر أطرًا تفسيرية وتطبيقية تساعد المرشدين على فهم السلوك المهني وتطويره بما يتلاءم مع خصائص الأفراد ومتطلبات سوق العمل.

تهدف هذه المقالة إلى استعراض أبرز النظريات العلمية في الإرشاد المهني، مع تحليل مبادئها الأساسية وتوضيح كيفية تطبيقها في السياقات العملية.

---

1️⃣ نظرية السمات والعوامل (Trait and Factor Theory)

📌 المفهوم:

تُعد من أقدم وأبسط نظريات الإرشاد المهني، وقد أسسها فرانك بارسونز مطلع القرن العشرين، وتقوم على فرضية أساسية هي:

“عندما يتمكن الفرد من مطابقة خصائصه الشخصية (كالقدرات والميول) مع متطلبات وظيفة معينة، فإن ذلك يؤدي إلى رضا مهني وأداء أعلى.”

🧱 مكوناتها:

1. فهم الفرد: تحليل الميول، المهارات، القيم.

2. تحليل الوظيفة: تحديد متطلباتها، ظروفها، فرصها.

3. تحقيق التوافق: مطابقة الجانبين لاختيار مهني مناسب.

💼 تطبيقات عملية:

• تُستخدم في اختبارات التوجيه المهني لطلبة المرحلة الثانوية.

• تُطبّق في إدارات الموارد البشرية عند توظيف الموظفين الجدد.

• تساعد الأفراد في الانتقال المهني عبر فهم أفضل لتخصصاتهم.

---

2️⃣ نظرية النمو المهني – دونالد سوبر (Super’s Life-Span Theory)

📌 المفهوم:

طوّرها دونالد سوبر، وهي من النظريات النمائية التي ترى أن النمو المهني عملية ديناميكية مستمرة تمتد طوال حياة الإنسان، وتتأثر بتغيرات في الهوية والظروف.

🧱 المراحل الخمسة:

💼 تطبيقات عملية:

• توجيه الموظفين وفقًا لمراحلهم العمرية والنفسية.

• وضع خطط تطوير وظيفي طويلة المدى.

• دعم الموظفين في مراحل التغيير أو الانقطاع المهني.

---

3️⃣ نظرية الأنماط المهنية – جون هولاند (Holland’s Theory)

📌 المفهوم:

تقترح أن الأشخاص والوظائف يمكن تصنيفهم ضمن 6 أنماط نفسية/مهنية. وكلما زادت المطابقة بين نمط الشخص وبيئة عمله، زاد رضاه وإنتاجه المهني.

🔺 الأنماط الستة (RIASEC):

💼 تطبيقات عملية:

• تصميم اختبارات مثل Holland Code أو RIASEC.

• توجيه الطلاب والموظفين إلى البيئات المهنية الأنسب لهم.

• تحليل أسباب عدم الرضا الوظيفي الناتج عن عدم التوافق النمطي.

---

4️⃣ نظرية التعلم الاجتماعي للاختيار المهني – كرمبولتز (Krumboltz)

📌 المفهوم:

تقوم على أن اختيار المهنة لا يعتمد فقط على السمات الفطرية، بل هو نتاج التعلم والخبرات السابقة، والتفاعل مع البيئة والمجتمع.

🧠 العوامل الأساسية:

• التعلم بالملاحظة (مثل تأثير الأهل أو المعلمين)

• الخبرات السابقة الناجحة أو الفاشلة

• المعتقدات الذاتية حول النجاح والفشل

• العوامل البيئية مثل الفرص الاقتصادية

💼 تطبيقات عملية:

• توجيه الموظفين الذين واجهوا تحديات أو إخفاقات مهنية.

• دعم الأشخاص في التحول المهني أو إعادة التوجيه.

• بناء برامج إرشادية تعتمد على المرونة والتكيف مع التغيّر.

---

5️⃣ النظرية البنائية في الإرشاد المهني – مارك سافيكاس (Savickas’ Constructivist Theory)

📌 المفهوم:

تنطلق من المدرسة البنائية، وتركّز على أن هوية الفرد المهنية تتكوّن من خلال سرده لحياته وتجارب العمل، وتفسيره الشخصي لها.

📖 المبادئ:

• كل شخص يبني معنى لمهنته بطريقة فريدة.

• الإرشاد يتطلب الاستماع لقصة الفرد المهنية وتحليلها.

• التغيير المهني هو عملية إعادة بناء الهوية المهنية.

💼 تطبيقات عملية:

• فعّالة في الجلسات الفردية والعميقة.

• مناسبة للموظفين الذين يشعرون بالضياع المهني أو يبحثون عن “معنى” في حياتهم العملية.

• تُستخدم في إعداد برامج إعادة بناء المسار المهني بعد الأزمات أو التغييرات الكبيرة.

---

📚 خلاصة مقارنة بين النظريات:

---

🧩 الخاتمة

تمثّل نظريات الإرشاد المهني حجر الأساس لفهم السلوك المهني ودعم الأفراد في اتخاذ قرارات واعية ومدروسة بشأن حياتهم العملية.
وبينما تختلف هذه النظريات في منهجياتها، فإنها تتكامل في هدفها الأسمى: تمكين الفرد من بناء مسار مهني مُرضٍ ومنسجم مع ذاته وبيئته.

من الأفضل ألا يعتمد المرشد المهني على نظرية واحدة فقط، بل يُفضّل دمج أكثر من إطار نظري بحسب طبيعة الحالة والبيئة والسياق الثقافي.